بقلم ومتابعة رشيد يحياوي
مقدمة: تحت أنقاض الشعارات البراقة والخطابات الملتوية، تغرق مهنة الصيدلة في المغرب في مستنقع من الفساد النظامي والانقسام النقابي المفتعل. ما يحدث هو أكثر من مجرد أزمة حوار اجتماعي عابرة؛ إنه انهيار لمنظومة أخلاقية بأكملها، حيث تتحالف المصالح الخفية مع الغباء النقابي والسذاجة الإدارية لتركيع مهنة نبيلة وتجريدها من كرامتها وآخر مقومات بقائها.
المعضلة: وزارة تتقن لعب أدوار “فرق تسد”.. ونقابات تغرد خارج السرب الوزارة الوصية لم تعد حائرة فحسب،بل هي شريك فاعل في تعميق الأزمة. ممثلوها لا يبحثون عن حل، بل يحاولون ربح الوقت كي تنتهي مدة انتدابهم ويخرجون “سالمين غانمين”، تاركين خلفهم جثثاً مهنية تحت أنقاض وعود معسولة معظمها لا يتحقق. إنهم لا يجيدون التعامل مع المهنة لأنهم ببساطة لا يريدون ذلك؛ فالحل قد يكشف خبايا وأسراراً خطيرة من الأفضل أن تبقى تحت الرماد.
وفي الجانب المقابل، تقف النقابات كأوركسترا إما بقائد عاجز أو بقائد بئيس تعزف سمفونية الفشل. بعض مسيريها لا يجيدون حتى التصفيق في الوقت المناسب، “فهم لا يعلمون لأي جهة سيصفقون ومتى وكيف”. إنهم يمارسون دور “حمار الطاحونة” الذي يركض بسذاجة في دائرة مفرغة، ليساهم دون وعي منه في تسريع عجلة الفساد الذي يدمر مهنته. انقسامهم ليس مفتعلاً فحسب، بل هو مصطنع لخدمة أطراف ثالثة تتلاعب بهم كالعرائس في مسرح الدمى.
الوجوه الخفية: من يستفيد من دمار القطاع؟ في الظل، هناك من يستفيد مادياً بشكل كبير، ويسير الأمور في الخفاء بتنسيق مع المسؤولين الكبار. هذه “المافيات” الخفية هي المستفيد الأول من هذه الفتنة المصطنعة، “وهي أشد من القتل”. إنهم يغذون نار الانقسام ويتمنعون كي تظل الساحة مشتتة، مما يمكنهم من نهب آخر ما تبقى من ثروات القطاع بعيداً عن أعين الرقابة والمحاسبة.
والأسوأ من ذلك، أن الجميع صار شريكاً في هذه الجريمة بدرجة أو بأخرى: المستفيد الفاعل، والساذج المنفذ، والسلبي الذي “يرى ويسمع ولا يبالي”. الكل يخدم منظومة الفساد بشغف، والمهنة تغرق بوتيرة أسرع مما يتصوره أي كان.
كيف الحل؟ طريق طويل وشائك.. لكن البداية ممكنة. الحل بعيد، لكن استحالة تحققه ليست قدراً محتوماً.
الخلاص يبدأ بالاعتراف بأن “الفتنة” التي أصابت الجميع هي العدو الأول.
وهذا يتطلب:
1. صحوة الضمير: على الصيادلة الشرفاء، وهم كثر، التوقف عن دور المتفرج. عليهم تحمل مسؤوليتهم في تطهير بيوتهم من الداخل أولاً، وانتخاب ممثلين نزيهين يفهمون اللعبة ولا ينخرطون فيها.
2. فضح المستفيدين: كشف الأسماء والجهات التي تتلاعب بمصير مهنة بأكملها للرأي العام، باستخدام كل الوسائل المشروعة. الصمت هو تواطؤ.3.
وحدة المستوعبين: بناء تكتل نقابي جديد قائم على الكفاءة والنزاهة، يرفض الانخراط في لعبة “فرق تسد” التي تمارسها الوزارة. وحدة الموقف والرؤية هي السلاح الوحيد لمواجهة آلة الفساد الجبارة.4.
مساءلة الوزارة: تحميل المسؤولين الحاليين والسابقين في الوزارة مسؤولية فشلهم المتعمد في إيجاد حلول، ومحاسبتهم على سياسة “ربح الوقت” على حساب مستقبل الصحة في البلاد.
خاتمة: المعضلة ليست إدارية أو نقابية فحسب، بل هي معركة وجود بين من يريد إنقاذ ما تبقى من القطاع الصحي، ومن يريد الإجهاز عليه لخدمة مصالح ضيقة. المعركة شرسة، والخسائر فادحة، ولكن الاستسلام يعني الموت البطيء لمهنة عريقة كان يفترض أن تكون في الصفوف الأمامية للدفاع عن صحة المواطن وكرامته. السؤال الأكبر: هل هناك من يصغي؟